السِكة )العملة) في الأندلس
كان العرب المسلمون قبل العھد الأموي یتعاملون
بالدراھم الفضیة الساسانیة و الدنانیر الذھبیة البیزنطیة إلى أن جاء الخلیفة عبد
الملك بن مروان (65ھـ 684م /86ھـ 705م) فضرب على الأغلب سنة 76ھـ /695 م الدنانیر
و الدراھم العربیة و ضربت السكة في كل حواضر العالم الإسلامي في العصور الوسطى
شرقا و غربًا، في الشام و العراق و بلاد فارس و مصر وشمال إفریقیة و الأندلس وغیرھا.
و یبدو أن أول عملة عربیة إسلامیة ضربت في
الأندلس ، تمت أثناء الفتح الإسلامي تحت قیادة موسى بن نصیر أو بعده مباشرة ، ففي
عبارة لا تخلو من دلالة كتب "لیفي بروفنسال" و استخدم الحاكم العربي دار
سك العملة في طلیطلة التي كانت تابعة لملوك القوط القدامى في سك عملة ذھبیة .
و الظاھر أن ھذه العملة ضربت سنة 93 ھـ/711م وھي
جدیرة بالاھتمام في حولیات الإسلام لأنھا تحمل تاریخ فتح العرب لشبھ الجزیرة الایبریة
ثم تلتھا عملة ذھبیة ضربت في عھد الوالي الحر بن عبد الرحمن سنة 98ھـ ، 718 م،
وإذا كانت أھمیة العملة التي ضربھا الوالي موسى بن نصیر ترجع لكونھا أرختللفتح ،
فإن عملة الوالي الحر تعود أھمیتھا القصوى لكونھا حملت تسجیل مكان الضرب و نعني بھ
مصطلح الأندلس الذي أطلقھا العرب على ھذا الجزء الأوربي الذي تم فتحها.
العبارة الشائعة و المتداولة بین دارسي تاریخ
الأندلس ھي أن الأمیر عبد الرحمن الثاني الأوسط (206ھـ،822م /238ھـ،852م) ھو أول
من ضرب العملة و لعل ھذا الخطأ یعود بالدرجة الأولى إلى عدم اطلاع الباحثیین على
ما نُشر بلغات أوروبیة عن مجموعات النقود التي تحتفظ بھا بعض المتاحف الأوروبیة ،
ففي مجموعة معھد
primitivadel Hombre madrid Historia de
seminario
درس أحد الباحثین ھذه المجموعة و فیھا درھم ضُرب
بالأندلس سنة 116ھـ /734م كتب علیھا بالعربیة "﷽ཱཱིི ضرب ھذا الدرھم سنة عشرة و مائة" وھي السنة التي تداول فیھا على حكم
الأندلس والیان عبد الملك بن قطن الفھري تولاھا منسنة (114-116ھـ/732-734م) ، و
عقبة بن الحجاج السلولي تولاھا من سنة (116- ھـ 123/734-741م)"﷽ཱཱིི ضرب ھذا الدرھم بالأندلس سنة خمس و ثلاثین و مئة 135ھـ" أي خلال ولایة
عبد الرحمن الفھري تولاھا من سنة (129-138ھـ/746-756م) .
وھناك نقود ضُربت في عھد مؤسس الإمارة الأمویة
الأمیر عبد الرحمن بن معاویة المعروف بالداخل (138 -172 ھـ/755-788م) سنة 153ھـ-
770 م وسنة 170 ھـ-786م و ھناك نقود ضربت في عھد الأمیر الحكم بن ھشام الملقب
بالربضي (180 -206ھـ /796-822م) نقود ضربت سنة 187 ھـ-
802 م و أخرى سنة 196ھـ-811 م.
كل ھذه الأدلة الأثریة تشكك فیما یزعم ، بأن
الأندلس لم یكن لھا عملة منذ أیام الفتح الإسلامي حتى نھایة عھد الأمیر الحكم بن
ھشام و أنھم كانوا یتعاملون إما بقطع قرطبة أو بعملات ذھبیة و فضبة مجلوبة بكمیات
ضئیلة بواسطة التجار و المسافرین القادمین من إفریقیة أو الشرق الإسلامي.
و في سنة 316ھـ/928م كما ینص على ذلك ابن حیان
افتتح الخلیفة عبد الرحمن الناصر
(350-300ھـ/912-961م) دار السكة لمدینة قرطبة و أمر بضرب العین من
الدنانیر و الدراھم، و السكة ھي الحدیدة یُطبع علیھا الدینار و الدرھم فسمیت سكة
بھا الدینار و الدراھم یرجح أحد الباحثین أن دار الضرب المنسوبة للأمیر عبد الرحمن
الأوسط و التي ذكر ابن الفقیه أنھا كانت تقع بباب العطارین بقرطبة أسست في عھد
الأمیر عبد الرحمن الأول و من المحتمل أن الأمیر عبد الرحمن الأوسط اقتصر دوره على
تجدید الدار و توسعتھا فقط لا غیر .
یبدو أن دار الضرب تأثرت سلبیا بأوضاع الأندلس
المضطربةفي النصف الأخیر من القرن الثالث الھجري (أواخر القرن التاسع المیلادي
المضطرب بسلسلة لا نھایة لھا من الثورات و الفتن ) ، وفي سنة 316 ھـ/ 926 م بعد
عودة الھدوء والاستقرار في عھد الخلافة كما ینص على ذلك ابن حیان ، افتتح الخلیفة
عبد الرحمن الناصر ،300 -350ھـ دار السكة لمدینة قرطبة و أمر بضرب العین من الدنانیر
و الدراھم .
ومنذ ذلك الحین أصبحت لدار السكة شخصیتھا القائمة
بذاتھا ، ذلك أننا لم نسمع بذكر متولي السكة طیلة العھود التي سبقت عھد الخلیفة
عبد الرحمن الناصر، غیر أنھ في عھده أصبح ھناك مسؤول عن دار السكة أي موظف في
الدولة أو صاحب خطة السكة و كان الخلیفة شخصیا ھو من یتولى تقلیده في منصبه، وكانت
أول ولایة على دار السكة لأحمد بن محمد بن موسى بن حدیر وكان مجموعة من الموظفین و
السكاكین المھرة یعملون تحت إشراف صاحب خطة السكة، ویُشترط فیھ أن یكون مُلِمًا
بصنعة السكة مع درایة بأنواع الخطوط نزیھا دینـا .
فشلت الحكومات القرطبیة في فترة الفتنة (399
-422ھـ) في المیدان الاقتصادي ، ولم تتمكن من فرض الاستقرار و الاطمئنان كما كان
سائدا في ظل الخلافة المروانیة لكن في المقابل لم یدخلوا تعدیلا على طراز النقود
فقد بقیت مشابھة للطراز القدیم ، لكن من المحتمل أن النقود زیفت خلال القرن الخامس
الھجري ، الحادي عشر المیلادي ، نظرا لكمیات الفضة المتداولة بین الناس .
و یمكن تقسیم نقود السنوات الثلاثین الأولى من
القرن الخامس الھجري إلى ثلاث مجموعات ، مجموعة الخلفاء الأمویین المتأخرین ، ثم
مجموعة الشخصیات غیر المعروفة ، والمجموعة الأخیرة تتكون من النقود المزیفة .
و الملاحظ أنھ خلال ھذا القرن الخامس ظھر تعدد
نقدي و كثرة دور الضرب بعد د الإمارات وغلبت الرداء ة على ھذه النقود باستثناء
نقود بني عباد أجود نسبیا من باقي نقود إمارات الطوائف .
استمرت ظاھرة تعدد دور الضرب في الفترة المرابطیة
إلا أن أوزان النقود بقیت متقاربة مقارنة بفترة إمارات الطوائف .
كانت ظاھرتي الغش في النقود و فوضى الصرف
مستفحلة بسبب تعدد دور الضرب لدرجة جعلت قاضي الجماعة بقرطبة ابن رشد الجد یصرح
بما یوحي بالعجز في تغییر ھذا
الواقع " فأما الیوم فإن الذھب یغش و قد
صار لكل مكان سكة تضرب
" .
العملة المرابطیة :
دخل المرابطون الأندلس ووقفوا على التفكك السیاسي
الذي كان سائدا في ظل ملوك
الطوائف. و أعادوا الحكم المركزي، وكان من أولى الثمار عودة وحدة طرز النقود ، وكان أبو
بكر بن عمر أول حاكم مرابطي یضرب الدینار في سجلماسة منذ سنة 450ھـ/
1058م،أما خلیفتھ یوسف بن تاشفین فإنھ واصل العمل بھذا الدینار دون أن یغیر منھ شیئا
عدا الاسم . وكانت دنانیر یوسف بن تاشفین تضرب في سجلماسة و أغمات و في سبتة و
مراكش و فاس ، وفي الأندلس ظھرت الدنانیر المرابطیة في عدة مدن كقرطبة سنة 486
ھـ/1093م ، وشاطبة منذ سنة 489ھـ/1095م ، و غرناطة منذ سنة 489ھـ/1095 م ، وإشبیلیة
سنة 491ھـ/1097 م ، و مرسیة سنة 492ھـ/1098 ، ومالقة منذ 494ھـ/.1100م .
أما الكتابات التي نجدھا على أول دینار مرابطي
معروف في الأندلس فھو كما یلي على الوجه الأول في الوسط " لا إلھ إلا الله
محمد رسول الله " ، الأمیر یوسف بن تاشفین على الحاشیة السفلیة آیة من القرآن
الكریم سورة آل عمران ، الآیة 85 " ومن یبتغ غیر الإسلام دینا فلن یقبل منه "
العملة الموحدیة :
أما بالنسبة لسكة الموحدین فإن الأمر لا یخلو من
غموض ، فھناك من ینسب الدراھم المركنة أي المربعة إلى أبي عبد الله المھدي القائم
بأمر الموحدین ، وكانت الدراھم قبل ظھور الدولة الموحدیة كلھا مدورة ، فأمر المھدي
أن تكون دراھمھ مركنة ، فكانت كذلك بحساب عشرین منھا في الأوقیة و ثلاثة منھا في
الدینار .
لكن حسب ما ذھب إلیه أحد الباحثین لیس من الثابت
أن العلمة المركنة من ابتكارات أبي عبد الله محمد بن تومرت مھدي الموحدین والراجح
أن عبد المؤمن بن علي أول خلفاء الموحدین ھو من ضرب السكة ، و یذھب الباحث الفرنسي
ألفرید بل BEL
ALFRED إلى أن المھدي
لم یضرب العملة و إنما أوصى بضرب النقود المربعة حتى تكون مختلفة عن نقود المرابطین
و قد استند ألفرید على خبر أورده ابن خلدون یقول فیھ أن مالك بن وھیب حرض الأمیر
علي بن یوسف بن تاشفین على المھدي بدعوى أنھ صاحب الدرھم المربع وتم العثور على
نصف قیراط ضربھ أحمد بن قیس الثائر على المرابطین في مارتلة بالأندلس ، وقد كتب في
وجھھ ، "الله ربنا و محمد نبیینا و المھدي إمامنا " داخل مربع ، وكان
الدینار مرتفعا أیضا و ھو ضعف الدینار العادي في الوزن ، ولھذا عرف باسم Doblaعند النصارى و ضرب الموحدون على أیام أبي یوسف یعقوب
المنصور نصف دینار موحدي.
نعمت الأندلس خلال عصر المرابطین و الموحدین
بنظام دقیق في النواحي المالیة و كانت العملة المرابطیة و الموحدیة فیما بعد لھما
ثقلھما في المجال الاقتصادي و حازت على ثقة الدول المعاصرة لھا ، فالدینار
المرابطي كان لھ انتشار واسع و تداول كبیر ، فانتشر مع نھایة القرن الحادي عشر بین
دول الغرب المسیحي و ظھر في إسبانیا و فرنسا و ألمانیا و إنجلترا و قیل أنه وصل
للقسطنطینیة، كما شاع التعامل بھ حتى في الكنیسة فقد عُثر على دنانیر مرابطیة في
دفائن دیرCaup Del جنوب مدینة تولوز ، و في قبر بروسانت رومان،
ومجموعھا 65 دینارا من إصدارات إفریقیة و وصلت سمعتھ حتى الصین فكان بمثابة دولار
العصور الوسطى ، و عرف الدینار المرابطي في القشتالیة القدیمة و البرتغالیة باسم K Metcalmeticalmitical، وكلھا صیغ مشتقة من مثقال العربیة ،و مصطلح Marabotinظھر أول مرة في إسبانیا سنة 477ھـ /1084 م ، و المرابطون الذین توسعت رقعة
إمبراطوریتھم وسیطروا على مناجم الذھب في غـانا و على تجارة القوافل عبر الصحراء
سكوا دنانیرھم من الذھب الخالص ، وكان علیھ إقبال كبیر في الداخل و الخارج لدرجة
أن ألفونس الثامن ملكة قشتالة و لیون تأثر بھ فضرب دنانیر على شاكلته سنة
1173عُرفت باسم
morabetialfonsi Le ،
وأما النقود الفضیة الموحدیة فتركت أثرا عمیقا في عملات العالم المسیحي الغربي ،
وحازت على إعجابھم، فقلدوھا و ضربـوا نقودا على غرارھا عرفت باسم المــلیار أو Milliars .
دور السكة :
أفادتنا نوازل العصر بمعلومات عن انتشار دور
السكة في الأندلس بعد انھیار الخلافة الأمویة بقرطبة ذكر ابن الحاج دار سكة قرمونھ
و فیھا ضربت العملة القرمونیة ، وأشار ابن رشد إلى وجود دار سك العملة في إشبیلیة
، أیام دولة بني عباد و انتشرت في شرق الأندلس دور للسكة نسبت إلیھا العملة الشرقیة
، وقد انتشرت في عصر ملوك الطوائف دور السكة ، فبالإضافة إلى ما ذكرتھ النوازل نجد
دارا للسكة في طرطوشة ،ودار السكة في بلنسیة بحیث قامت بسك عملات لمملكة أخرى كما
تشیر إلى ذلك بعض الدراسات ، أما في عصر المرابطین فقد أفادتنا نوازل القاضي عیاض
بوجود دار للســـكة بالجزیرة الخضراء ، كما أشارت إلى ذلك نوازل ابن رشد و تعددت
دور السكة في الأندلس في ھذا العھد و كانت منتشرة في أغلب المدن مثل:
إشــــــبیلیة ،بلنــــسیة ،شــــاطبة
،قرطـــــــبة ، مالقة ، مرسیة ،ألمریة ،ألوظة
ومیورقة.
%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9)%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق