القائمة الرئيسية

الصفحات

الدخول الفرنسي للجزائر من الحملة إلى الاحتلال

الدخول الفرنسي للجزائر من الحملة إلى الاحتلال






     عند ذكر 1830 في الجزائر ينصرف الذهن مباشرة إلى الاحتلال الفرنسي الذي فتح بابا للصراع بين الغازي والمغزو في العالم الإسلامي امتد عشرات السنين وكان في الواقع صراعا حضاريا تعود جذوره الى عهد العرب والروم، الإسلام والمسيحية ، والشرق والغرب. وقد وقع احتلال الجزائر في ظرف كان فيه العالم الإسلامي يعاني التخلف وضعف التواصل ، فلم تأتي النجدة للجزائر من أي جهة، مما سهل على الفرنسيين ضرب المقاومة وغرس نمط عيشهم في بيئة كانت معقلا للحضارة الإسلامية والعربية وقوة بحرية تدافع عن الإسلام في البحر الأبيض المتوسط.   

     ولأن موقع الجزائر المركزي بين أقطار المغرب العربي والمواجهة لثلاث قوى لاتينية (فرنسا، اسبانيا، وإيطاليا) مضافا اليها هولندا و بريطانيا ذات المصالح  الحيوية  في البحر المتوسط هو الذي جعل هذه القوى تستهدف قوه الجزائر البحرية بدعوى انها تمارس القرصنة، وهو النشاط الذي يسميه الجزائريون  الجهاد البحري. ومنذ مؤتمر فيينا 1815 أخذ الغربيون يتدخلون في شؤون الجزائر كمطالبة بإلغاء الرق وإطلاق سراح الأسرى المسيحيين، والتوقف عن الجهاد البحري وإلغاء دفع الجزية التي اعتادوا دفعها للجزائر لحماية تجارتهم، ويدخل في هذا التمرد تماطل فرنسا في دفع ديونها للجزائر، والتي ترتبت عن منح الجزائر لفرنسا كميات من القمح أثناء الحصار الذي ضربته عليها بريطانيا أثناء حروب نابليون.

وكانت هذه الديون هي السبب المباشر في توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا وهو التوتر الذي انتهى بالحصار البحري الفرنسي 1827 ثم الاحتلال 1830. وهناك قصة تروى عن السبب المباشر للاحتلال. فعندما ألح باشا الجزائر الداي حسين على قنصل فرنسا بضرورة دفع الديون مذكرا إياه بالرسائل التي وجهها إلى ملك فرنسا بهذا الشأن، أجابه القنصل (دوفال) إجابة مهينة مفادها أن ملك فرنسا شارل العاشر لا يتنازل لإجابة أمثالك! فما كان من الداي حسين إلا أن أشار اليه بمروحته بالخروج من المجلس الرسمي الذي كان يضم أيضا قناصل الدول الأخرى. وقد أصبحت هذه الحادثة الدبلوماسية تعرف ب "حادثة المروحة"، وتصاعد التوتر بعدها بين الدولتين حتى وصل إلى الحصار ثم الاحتلال كما ذكرنا.

حين عجز الفرنسيون عن اجبار الجزائر على الاستجابة لمطالبهم، ومنها ارسال وفد رسمي إلى باريس للاعتذار علنيا عن إهانة قنصل فرنسا، لجأوا إلى تدبير حملة عسكرية لتأديب الباشا حسب تعبيرهم، ومنذ يناير 1830 أخذ الفرنسيون يعدون العدة لحملتهم على الجزائر، وحصل الفرنسيون على دعم البابا وتأييد الدول الأوربي عدا بريطانيا التي التزمت الحياد، حتى أن الحملة شاركت فيها عناصر من مختلف دول اروبا، وقد ضمت بالإضافة للجنود، تراجمة، مستشرقين، فنانين، ومغامرين من كل صنف، كما ضمت عناصر من أصحاب المذاهب السائدة عندئذ كالرومانتيكيين والسانسيمونيين الذين كانوا يحلمون برؤية العالم الذي عرفوه عن طريق ألف ليلة وليلة أو الذين كانوا يبحثون عن شعب يجربون فيه مبادئهم الاشتراكية (المثالية).

انطلقت الحملة من مناء طولون، ووصلة الجزائر يوم 14 يونيو 1830 وكان على رأسهم وزير الحربية ، الكونت دي بورمون DE BOURMONT، أما قائد الأسطول فكان الأميرال دوبيري، وكانت الحملة تضم أكثر من 60ألف جندي، وأكثر من 100سفينة حربية وحوالي 400 سفينة ناقلة للمؤن والمعدات.

نزلت الحملة في الخليج صغير يدعى (سيدي فرج) غربي العاصمة ، لم يكن محروسا ولا محصنا ، وبعد عدة معارك (منها معركة اسطاوالي 19 يونيو) ، جرت مفاوضات بين حسين باشا و الكونت دي بورمون ، انتهت بتوقيع اتفاق ، من بنوده تسليم المدينة (العاصمة) في 5 يوليو ، وضمان سلامة شخص الباشا ومن يرافقه ، واحترام الدين الإسلامي ، واحترام المرأة والمساجد والتقاليد والأملاك الخاصة ، وقد استلمت البحرية الفرنسية الأبراج والحصون ورفعت عليها العلم الفرنسي في الوقت المتفق عليه ، ودخل قائد الحملة قصر الباشا الواقع في أعالي القصبة، واستلم بدوره مفاتيح الخزينة . وترضية للجنود والمغامرين أباح دي بورمون المدينة لهم ثلاثة أيام ، فاشتد خوف المدنيين وكثر النهب والاعتداء ، مما جعل آلاف السكان يغادرون المدينة هروبا بأنفسهم وبما خف حمله من متاعهم ، سالكين طريق الشرق والجنوب ، أما الباشا نفسه فقد حمله الفرنسيون على احدى سفنهم إلى (نابولي) حسب رغبته ، وبعدها توجه إلى (ليفورنيا) ، وزار فرنسا في السنة الموالية ، ثم استقر في الإسكندرية بمصر حيث توفي سنة 1838.
اذا كان ذلك هو مصير الداي حسين، فإن مصير ولاة الأقاليم كان يختلف. فقد كانت الجزائر مقسمة إداريا إلى ثلاث أقاليم رئيسية يسمى كل منها اصطلاحا "بايليك" - اقليم الشرق وعاصمته قسنطينة ، اقليم التيطري بالوسط وعاصمته المدية، واقليم الغرب وعاصمته وهران، بالإضافة لدار السلطان التي كانت تضم الجزائر العاصمة وضواحيها والتي كانت تتبع الحكومة المركزية مباشرة. وكان على رأس اقليم الشرق عندئذ الحاج أحمد باي، واقليم التيطري مصطفى بومزراق، واقليم الغرب حسن بن موسى ، وكلهم كانوا حاضرين في ميدان المعركة أثناء نزول الحملة الفرنسية ما عدا باي الغرب الذي أرسل خليفته نيابة عنه بسبب كبر سنه.
تعامل الفرنسيون في البداية مع هؤلاء القادة بطريقة تكاد تكون واحدة، وهي عرض تثبيتهم في وظائفهم بشرط الاعتراف بالسيادة الفرنسية ودفع الضريبة السنوية التي كانوا يدفعونها للداي علامة على الخضوع والطاعة.
أما بومزراق فقد قبل ذلك أول مرة، ولكنه لم يلبث أن شق عصا الطاعة وحارب الفرنسيين فقبضوا عليه ونفوه أيضا الى الإسكندرية. وأما حسن بن موسى فقد جمع أعيان اقليمه واستشارهم فرفضوا التعاون معه لظلمه السابق، فاستسلم للفرنسيين وسلمهم مدينة وهران والمرسى الكبير، وكان مصيره هو أيضا النفي، وأما الحاج أحمد باي فقد رفض التعامل مع الفرنسيين وعاد الى اقليمه وأعلن مواصلة الجهاد وطلب من السلطان العثماني دعمه والاعتراف به الممثل الشرعي الباقي من القيادة العثمانية.

--------------------------------------------------

المصادر:

أبو القاسم سعد لله، خلاصة تاريخ الجزائر المقاومة والتحرير 1830-1962، ص15-21



تعليقات