القائمة الرئيسية

الصفحات

التاريخ وأدب الرحلة في الجزائر العثمانية

 

التاريخ وأدب الرحلة في الجزائر العثمانية




 

المقدمة  :

        تشكل الدراسات الأدبية عامة مصدرا مهما للتاريخ ، وخاصة المؤلفات المتعلقة بأدب الرحلة ، لأنها في الغالب منجزة من طرف رجال لهم باع في العلم والأدب والفن . وهي بذلك تحظى بقدر كبير من المصداقية التاريخية . كما أنها احتوت على العديد من المزايا التي تجعلها في خدمة التاريخ : كالتنقل والمشاهدة المعاصرة للحدث .

       وترك لنا عدد مهم من الأعلام مؤلفات تدور حول أدب الرحلة وخاصة في التاريخ الجزائري الحديث ومنها رحلة ابن حمادوش ، ورحلة الورتيلاني، ورحلة المعسكري ورحلة العياشي ... وكلها مصادر مهمة في التاريخ الجزائري .

       وهناك العديد من الرحلات والكتابات الأدبية التي لم يعط لها الاهتمام وربما كانت في شكل رسائل صغيرة . أو ضمن رحلات العلماء وطلبة العلم ولم تجلب انتباه الباحثين  .

 ومن خلال هذه الكتابات الأدبية التي في الغالب تأخذ طابعا علميا من صاحبها ، فإنها تتميز بالتالي :

 ــ الملاحظة المباشرة للحدث أو الظاهرة المسجلة

 ــ أنها تحمل عواطف وميول صاحبها الذي يشكل دون شك وجه من وجوه النخبة المثقفة.

 ـ  تحتوي على مصطلحات ومفاهيم مهمة توضح لنا مفاتيح الكثير من الدراسات


الرحلة في المفهوم الاصطلاحي


       هي فن وصفي نثري أو شعري  لرحلة معينة تجسد تفاصيل الخروج والوصول إلى المدن التي تم العبور بها ، وذكر رجالها وعلمائها ومراكز المياه .وعبر ابن خلدون عن أهمية الرحلة:      " فالرحلة لابد منها في العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرحال "

 وتقسم الرحلة عامة إلى :

حسب هدفها إلى : حجازية ، وسياحية ورسمية وأثرية واستكشافية وعلمية وسياسية

وحسب اللغة التي كتبت بها : إلى نوعين النثرية( الديوانية والمقامية ) والشعرية .

وحسب المناطق الجغرافية : الداخلية والخارجية

ومن الرحلات ماجمعت بين عدة أنواع مثل رحلة عبد الرحمان التنيلاتي : حجازية نثرية خارجية  .  

                                     

  ثقافة الرحلة في الجزائر


       انتشرت ظاهرة الرحلات في الجزائر في العصر الحديث من قبل العلماء نحو االمشرق والمغرب ، فمنها ما هو لغرض الحج ومنها ما هو لطلب العلم . وعلى هذا الأساس صنفت إلى رحلات حجازية وأخرى علمية. وغصت هذه الرحلات بأخبار الدول والملوك والعلوم والثقافات والعادات وحتى الجانب الجغرافي   وذكر العلماء ومناقبهم والعلوم التي تضلعوا فيها.

        وتنوعت المادة العلمية لهذه الرحلات بين الوصف والسرد نثرا أو شعرا ، وإن كان عدد الرحلات الجزائرية قليل مقارنة بالمغربية وهذا يعود إلى أن معظم الرحالة الجزائريين لم يعودوا بعد سفرهم لأسباب متعددة ، وبالتالي لم يتركوا لنا أعمالهم، ومن الذين لم يعودوا : عيسى الثعالبي ، ويحي الشاوي ، وأحمد المقري، وأحمد بن عمار ، وقدمت لنا هذه الرحلات ما سجلته في شكل ملاحظات ووصف من صاحب الرحلة نفسه وأحيانا نصوصا لغير أصحاب الرحلات أي نقلوها عن غيرهم من العلماء أو الشعراء . وهذه الرحلات مفيدة في الدراسات الأدبية وحتى التاريخية لكونها مصدرا مهما عايش المرحلة ، وكتبت على أيدي علماء لهم باعهم في الغالب.

       وفي العهد العثماني ازدهرت الرحلات في الجزائر لعدة أسباب منها :

ــــ استقرار الوضع السياسي للدولة الجزائرية سواء في الداخل أو المحيط العربي  .

ــــ  تشجيع بعض الحكام العثمانيين لهذا النوع من الأعمال العلمية مثل محمد بن عثمان باشا 1766 ــ 1791 ، ومحمد الكبير باي بايلك الغرب الجزائري1779 ــ 1796.وصالح باي بالشرق الجزائري 1771 ــ 1792.

ــــ الارتباط الروحي بالأماكن المقدسة للحج وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، والقدس الشريف.

ــــ الارتباط الروحي للطرق الصوفية مما شجع شيوخها ومقدميها ومريديها على زيارة زواياها ومشايخها .ومزاراتها للتبرك وأخذ التزكية وإثبات التبعية .

 ـــ طلبا للعلم: وتنوعت في التردد على الحواضر العلمية بتونس والقاهرة ودمشق والقدس والمدينة المنورة ومكة وبغداد الذي كلفه الداي عمر باشا( 1815 ــ 1817 ) 

 ـــ القيام بسفارة : التي تكون لها أهداف رسمية وسياسية ، فيكلف الحكام العلماء بذاك مثل مهمة ابن العنابي للقيام بسفارة للمغرب الأقصى من أجل المساعدة العسكرية من السلطان سليمان بعد حملة اللورد اكسموث 1816 ، وقام بسفارة أخرى لاسطمبول في 1817.

-أهم الرحلات :

الرحلات المنظومة شعريا

فقد أنشد عبد الله بن عمر البسكري :

دار الحبيب أحق أن تهواها        وتحن من طرب إلى ذكراها 

وانشد المغيلي :

بشراك ياقلب هذا سيد الأمم     وهذه حضرة المختار في الحرم

        وعلى العموم كان الشعر حاضرا في هذه الرحلات قبل الوصول إلى الحرم وأثناءه وبعده . كما كان النثر حاضرا بقوة سواء في التعبير عن هذه المشاعر أو في وصف الرحلات . وحسب سعد الله أن معظم الرحلات الشعرية من الغرب الجزائري ــ وهناك رحلة عبد الرحمان بن محمد الخروب المجاجي رحلته للحجاز التي دونها في قصيدة فصيحة مطولة سنة 1063ه. وضمت أخبارا عن الجزائر وتونس ومصر وطرابلس.

 

ـــــ ومن الرحلات المنظومة : القصيدة الطويلة التي نظمها الشاعر الفصيح الملحون سعيد المنداسي التي تعرف بالعقيقة وكتبها في 1677 وصف فيها الحجاز ومدح فيها الرسول  صلى الله عليه وسلم ووقعت عليها عدة شروحات من غيره .

ــــــ رحلة محمد بن مسائب ، الشعرية ( ق 18 ) سجل فيها رحلاته من تلمسان إلى البقاع المقدسة عن طريق الشعر الملحون وعبر فيها عن عواطفه في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

ــ رحلات شعرية تلمسانية من نوع الملحون لكل من ابن التريكي ، والزناقي الذان عاصا ابن مسائب .

ـــ قصيدة لابن الفكون الذي ترأس ركب الحج لعدة سنوات فيها من المديح النبوي وكانت سنة 1031ه .وقد تحدث عنها الرحالة المغربي العياشي .

 ــ ابن عمار نظم موشحات وقصائد لنفس الغرض أثناء رحلته.

  ــ رحلة الشاعر المفتي ابن علي والعالم أحمد المانجلاتي. وللعلم هناك العديد من الرحلات الشعرية الحجازية في هذا الباب.


الرحلات النثرية  :


       ــــ  رحلة عبد الرزاق ابن حمادوش :

عاش صاحبا خلال القرن الثاني عشر الهجري ،  وهي من الرحلات التي بقيت مكتوبة وسجلت لنا  تنقلاته  مشاهداته في المغرب ، (واحدة في 1145 ، والأخرى في 1156 ) ومزج بين العلم والتجارة ، وهي مصدر هام للحياة السياسية والاقتصادية المغربية .وحملت عنوان لسان المقال في النبأ عن الحسب والنسب والآل .وللعلم أن الجزء المتبقي منها هو الجزء الثاني فقط وتكلم عن رحلته للمغرب ، أما الباقي فقد ضاع وهي الأجزاء التي فيها توصيفا لرحلته للمشرق العربي والبقاع المقدسة وخاصة أنه أدى فريضة الحج في 1125 ه . وقد كان دقيقا في وصف الأشياء وتنقلاته بالمغرب والمشاكل التي ترض لها ، وأورد في هذه الرحلة أشعارا لغيره أيضا.

ــ وقيل أيضا هناك رحلة محمد الزجاي أحد علماء تلمسان والتي لم يعثر عليها .

ــ رحلة الحاج الإغواطي  إلى الصحراء ،( 1242 ) ووصف الصحراء الجزائرية  حتى  شنقيط ، وفي نفس الوقت تونس وقابس ، والجزيرة العربية .

الرحلات الحجازية :

       وهذه الرحلات كثيرة لآداء فريضة الحج وتدوين ما يجول بخاطر أصحابها من شوق للديار المقدسة ولذلك كانت غناء بالمشاعر والعواطف لزيارة الحبيب المصطفى .

رحلة البوني : احمد بن قاسم بن محمد ساسي البوني

من مواليد عنابة في 1063ه وتوفي في 1139ه .أي أنه عاش خلال القرن الثامن عشر الميلادي وكان صاحب علم وورع وله مقامه الديني والاجتماعي وألف رحلة سماها : الروضة الشهية في الرحلة الحجازية ، وقد أشار إليها ابنه ونصح بقراءتها ولكن للأسف أن هذه الرحلة ضاعت أيضا ولم نستفد منها.

 رحلة ابن عمار : المعروف برحلته : نحلة اللبيب في أخبار الرحلة للحبيب

       وكان من الشعراء الفحول ومفتيا ومجتهدا ،هاجر للحجاز في 1166ه ومكث مدة طويلة قاربت 12 سنة ، ومن تآليفه : لواء النصر في فضلاء العصر . وقسم رحلته إلى 3 أقسام  القسم الأول منها ضمنه أشعاره ونثره وسبب تأليف الرحلة وعادات أهل بلده في الاحتفال بالمولد ، وترجم لشعراء وأدباء عصره  ، وأورد أيضا قطعا شعرية لشعراء من المش رق والمغرب .أما باقي القسمين : الغرض المقصود والخاتمة فيعدان من المفقودات ويمكن أن توجد بالبقاع المقدسة أو تونس لأنه مكث بهما كثيرا .وخاصة أن أبا راس الناصر الذي عاصر ابن عمار حين مر بالجزائر ذكر أنه التقى بعالمها ابن عمار  تكلم عن الرحلة مما يعني أنه انتهى من تأليفها .

رحلة أبي راس الناصر :

       عاش في نهاية القرن 12 وبداية 13 الهجري أي بداية التاسع عشر الميلادي ، وبالتالي واكب أحداث مهمة ، وحج مرتين وله العديد من التآليف وأهمها في عالم الرحلة : عدتي ونحلتي في تعداد رحلتي ، وكذلك : فتح الإله ومنته في التحدث بفضل ربي ونعمته .

واحتوت هذه الرحلات على معلومات مهمة حول من لقيه من الشيوخ والعلماء ، وانطباعاته ونقاشاته معهم والإجازات المتبادلة بينهم . وقيل أنه اهتم بهذا الأمر أكثر على خلاف العياشي والدرعي والورتيلاني  .

       وسجل في رحلته أنه التقى بعلماء الوهابية وكتب : ظني بهم أنهم حنابلة ؟ وقال أنهم خارجون عن المذاهب الأربعة في الفروع وفي العقائد على مذهب الإمام أحمد .

 رحلة الورتيلاني : الحسين بن محمد السعيد الورتيلاني 1125 ــ 1193ه

        وهي الرحلة الموجودة والمطبوعة كاملة ، وعاش صاحبها في القرن الثامن عشر ، وسجل لنا الأحداث والأحوال عن الجزيرة  العربية .وهو ابن زاوية وصار شيخ الطريقة الشاذلية ، وحج ثلاث مرات ودون مشاهداته في كل قطر والزوايا التي حل بها ، وكتبت رحلته إملاء على تلاميذه ولذلك تعددت نسخها وأخطاؤها .

       ومن الملفت أنه نقل أشياء عن مصادر أخرى ومنها من نسب ذلك لأصحابه ، ووصف لنا الجانب الجغرافي والطبيعي والعمراني  للجزيرة العربية .

رحلة عبد القادر بن  عمر التنيلاتي :

وهي رحلة من النوع النثري العلمي وتعرف بالفهرسة ، واقتصر صاحبها على ذكر شيوخه ومناقبهم والكتب التي درسها عنهم  والعلوم التي تفقه فيها عنهم ، ومن هؤلاء العلماء مغاربة وزيتونيين .وذكر أهم العلوم التي تلقاها من تجويد وأصول وفقه ولغة وتصوف وتفسير ومواقيت الحساب.

       وهذه اللمسة المضمنة حول العلم والعلماء والعلوم التي حوتها الرحلة سميت بحق علمية ، كما أنها مبوبة ومصنفة لذلك سميت بالفهرسة . 

رحلة مصطفى الشرشالي 1916 ( في فترة الاحتلال الفرنسي )

       كانت هذه الرحلة بمناسبة الرحلة الرسمية التي نظمتها الحكومة الفرنسية برئاسة العقيد  bremond أثناء انتصاره على الدولة العثمانية ، وقد كتبها باللغة الفرنسية ، وهي عبارة عن تقرير مفصل بالأيام والحوادث للرحلة .وكان على رأس القسم الدبلوماسي للوفد عبد القادر بن غبريط ، وتولى مصطفى الشرشالي مدون الرحلة . وقيل أنه عوض بالمولود بن موهوب الذي اعتذر بمرضه.

       وضمت هذه الرحلة 136 صفحة في شكل تقرير مقدم للحاكم العام شارل لوتو ،  وكتبت في ذراع الميزان في 2 فيفري 1917 .


 الخاتمة

         ـــ أن العديد من الرحلات التي لا  يمكن ذكرها هنا ولكن الإشارة إلى نماذج منها فقط ، وإعطاء صورة عن تلك الرحلات التي غطت جانبا مهما من تلك المرحلة  التي تكون قد غمطتها المصادر التاريخية .ومن جهة أخرى أن بعض الرحلات المشار إليها غير مكتملة، أو غير متوفرة فنوجه إشارة إلى الباحثين في ربوع البلاد العربة عساهم يعثرون على الضائع منها .

       ــ كما أن الرحلة بنثرها وشعرها تحمل ضمنيا أو علنيا هما شخصيا ومجتمعيا ووضعا سياسيا قد لا نجده في المصادر التاريخية ، وبالتالي نستفيد من هذا الكم الهائل من الرحلات المتناثرة في ربوع الوطن العربي . ويمكن القول أنها تقابل  المذكرات في وقتنا الحالي.

       ــــ ومن المفيد أن الرحلات تتضمن الكثير من الاصطلاحات والمفاهيم والقيم الاجتماعية القربة من الواقع باعتبارها عمل حر وبعيد عن تاريخ القصر أو التأليف المرتبط بتخصص معين . وكثير من العلماء يكشف لنا عن علماء عصره باللقاء أو الدرس أو الإجازة  دون أن تلتفت إليه بقية المصادر التاريخية وخاصة إذا كان من غير المشاهير من بلده .

ـــ وحملت لنا هذه الرحلات أعمال شعرية ونثرية وأقوال لعلماء وشعراء آخرين كان بالإمكان أن تضيع .

ــــ كانت ثقافة الرحلة وجه العلماء والزهاد وأتباع الطرق ، وبها يكتسب صاحبها الشهرة والقبول الاجتماعي أحيانا من خلال الإجازات التي يأخذها في رحلته .



---------------------------------------------
المصدر: ابوبكر حميدي، محطات في تاريخ الجزائر الحديث

تعليقات